بقلم عبدالله الثاني ابن الحسين
02 آذار/مارس 2013
يشكل تطبيق نهج الحكومات البرلمانية، كما هو التحول الديمقراطي في جوهره، عملية تراكمية مفتوحة على التطوير المستمر، الأمر الذي يتطلب وعي الجميع للأدوار التي تنتظرنا في بناء المستقبل، كشركاء في هذه العملية. وأوّد اليوم في هذه الورقة*، التي أخصصها لمناقشة التطور السياسي في الأردن، التركيز على مستقبلنا المشترك وكيفية المضي قدماً، خاصة بعد الانتخابات النيابية، التي أجريت في 23 كانون الثاني الماضي.
إن لانتخاباتنا النيابية الأخيرة أهمية كبرى، فهي مؤشر على طريق الإصلاح والتغيير الذي اختطه الأردن، وقد أجريت في أجواء تسودها الديمقراطية والشفافية، الأمر الذي أهّلها أن تحظى بإشادة محلية وعربية ودولية غير مسبوقة، حيث تجاوزت نسبة التسجيل للانتخاب 70%، وقاربت نسبة الاقتراع 57%، وهي من أعلى النسب في تاريخ المملكة وعلى مستوى العالم. وتُقرأ نسب المشاركة هذه بشكل إيجابي عند مقارنتها بانتخابات أخرى أجريت مؤخراً في العالم العربي. فالمشاركة في الأردن اقتربت من نسبة الـ 62% التي سجلت في الشقيقتين مصر وليبيا، وهي تتقدم على نسب المشاركة في المملكة المغربية الشقيقة التي جاءت بواقع 45% وحظيت بإشادة دولية أيضاً. ومن الملامح الأخرى الجديرة بالملاحظة، ارتفاع نسب المشاركة في المدن الكبرى، فالمشاركة في محافظتي عمّان والزرقاء قد ارتفعت بما يقارب الثلث.
إن أهمية الانتخابات النيابية قد تجلّت أيضاً في العدد غير المسبوق للمرشحين، حيث شارك ما نسبته 80% من الأحزاب السياسية، كما أن 61% من الفائزين في الانتخابات، يصلون لمجلس النواب للمرّة الأولى، وهذا يدل على قدرة الوطن على تجديد نخبه السياسية. إن هذه الانتخابات التي تمت إدارتها والإشراف عليها، لأول مرّة، من قبل هيئة مستقلة ومراقبين محليين ودوليين، قد أنتجت مجلس نواب أكثر تمثيلاً. فالكتل النيابية المعبرة عن جميع توجهات الأطياف السياسية قد تشكلت، وهي تمثل أحزاباً وطنية وإسلامية وقومية ويسارية، إضافة إلى الحِراكات الشعبية ومجموعات الناشطين السياسيين. ويشكل انتخاب 18 سيدة مصدر فخر واعتزاز، فقد ضمت هذه المجموعة 3 سيدات فزن بالانتخابات، إحداهن ترأست قائمة وطنية، واثنتان عن دوائر فردية بالتنافس، إضافة إلى 15 سيدة يصلن لمجلس النواب بفضل نظام الكوتا.
ونحن عاقدون العزم على الاستمرار في تطوير تجربة الانتخابات الأخيرة والبناء عليها. كما ندعو كل الأردنيين للمساهمة في عملية التطوير هذه من خلال إسهاماتهم الموصولة ومشاركتهم الفاعلة والمسؤولة. وفي الواقع، فإن الوصول إلى حكومات برلمانية فاعلة يتطلب وجود أحزاب ذات قواعد ممتدة على مستوى الوطن، وبرامج قوية، وتعتمد على إطار عمل يقوم على قيم ديمقراطية وطنية، يتم تجسيدها كثقافة ديمقراطية في مؤسساتنا العامة وحياتنا السياسية. وعليه، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجه جميع الأردنيين والأردنيات وجميع مكونات نظامنا السياسي، هو تجذير هذه الثقافة الديمقراطية.
إننا في الأردن نعي في قرارة أنفسنا القيم الضرورية لإنجاز التحول الديمقراطي وإرساء نهج الحكومات البرلمانية. وفي مقدمة هذه القيم وأكثرها أهمية التعددية والتسامح وسيادة القانون وتعزيز مبادئ الفصل والتوازن بين السلطات، إضافة إلى حماية الحقوق الراسخة لجميع المواطنين والمواطنات، وتأمين كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع. إن هذه القيم في غاية الأهمية للتأكد من أنه سيتم الحفاظ على التوازن بين احترام إرادة الأغلبية السياسية وحماية حقوق الأقلية وسائر المجتمع في كل محطة من محطات التطور التي سنمر بها. وتبرز في هذا السياق أهمية الاستمرار في تطوير نظامنا الانتخابي عبر القنوات الدستورية، وصولاً إلى نظام أكثر عدالة وتمثيلاً، يحمي التعددية ويغنيها، ويوفر فرصة عادلة للتنافس، ويشكل حافزاً لتطور الحكومات البرلمانية على أسس حزبية.
إن مفهوم الحكومة البرلمانية، في حده الأدنى، يتمثل في ترتيب العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على النحو التالي: أن تكون السلطة التنفيذية خاضعة لمساءلة الأغلبية النيابية من خلال آلية منح الثقة أو حجبها. وهذا ما ينص عليه الدستور الأردني. ومن أبرز التطورات التي أنجزناها في هذا الشأن من خلال التعديلات الدستورية الأخيرة تطوير آلية منح الثقة، حيث يتوجب الآن على الوزارة المؤلّفة ضرورة إيجاد أغلبية نيابية للحصول على الثقة في شخص الرئيس والوزراء وبيانها الوزاري، بدلا من الممارسة السابقة، والتي كانت تتطلب حجب الثقة عن الحكومة المؤلفة بأغلبية نيابية.
إن تعميق نهج الحكومات البرلمانية سيتدرج وفق تقدم العمل الحزبي والبرلماني وعلى عدد من الدورات البرلمانية. وسيتدرج هذا النهج بإدخال آلية للتشاور المسبق مع مجلس النواب للتوافق على تكليف رئيس للوزراء، والذي بدوره يتشاور مع مجلس النواب على تشكيل فريقه، وعلى البيان الوزاري الذي يشكل برنامج عمل الحكومة.
وفي الممارسات العالمية المتفاوتة للحكومات البرلمانية، من الممكن أن يكون رئيس الوزراء المكلف وفريقه من داخل مجلس النواب، أو من خارجه أو مزيجا من الاثنين معاً. إن الممارسة السياسية في الحكومات البرلمانية المتعارف عليها عالميا تسمح بالجمع بين الوزارة والنيابة، ودستورنا يسمح بذلك، ولكن بالتوازي مع المتطلبات الجوهرية التالية:
ويوفر الحوار الوطني الدائر الآن، مخاضا ديمقراطيا بنّاء لتعميق تجربة الحكومات البرلمانية، ولتطوير آلية التشاور لاختيار شخص رئيس الوزراء القادم، وكيفية إشراك النواب في الحكومة من عدمه وبأي نسبة تكون.
وعلى كل مكوّن في نظامنا السياسي، وعلى كل مؤسسة وشخصية عامة، وبدرجة أهم على كل مواطن ومواطنة، ممارسة دور محوري لتعميق وتعزيز ثقافتنا الديمقراطية. وسأكرس الأقسام التالية من هذه الورقة لمناقشة كيفية تطوير هذه الأدوار، بما فيها دور الملكية، والمسؤوليات التي يجب أن نتحملها جميعاً، كمواطنين مسؤولين وفاعلين.
أولاً، دور الأحزاب السياسية:
إن مفهوم الديمقراطية لا ينحصر في تعبير الأفراد عن آرائهم ووجهات نظرهم، بل إنه يشمل العمل لتحويل ما ينادي به الأفراد إلى خطط عمل مشتركة باقتراحات واقعية وعملية تسهم في تقدم الوطن، وهذا هو الدور الرئيس للأحزاب السياسية.
وقد بيَّنت في السنوات الأخيرة رؤيتي الواضحة لنظامنا السياسي، والقائم على تطوير عدد منطقي من الأحزاب السياسية الرئيسة ذات القواعد الممتدة على مستوى الوطن، لتعكس مختلف توجهات الأطياف السياسية. وهذا النوع من الأنظمة هو الوحيد القادر على إتاحة الفرصة للتنافس البنّاء بين الأفكار والطروحات التي يحتاجها الأردن، وعلى بناء التوافق النيابي حول القرارات الواجب اتخاذها.
وبطبيعة الحال، يحتاج الأردن إلى وقت من أجل تطوير أحزاب سياسية بالحجم والامتداد الوطني والقدرات الضرورية للنهوض بهذا الدور المحوري. وبالمقارنة مع ديمقراطيات مرت بتجربة التحول حديثاً، كما في أوروبا الشرقية خلال التسعينيات، تطلب التحول الديمقراطي عدة دورات انتخابية، وامتد لأكثر من عشر سنوات، من أجل انتقال الأحزاب المنقسمة وذات البنية الضعيفة إلى حالة من التجمع والاندماج، وصولاً إلى أحزاب حقيقية تعمل على مستوى وطني، تُشكل الحكومات، وتقوم بمهامها بشكل فاعل. أما البديل عن بناء أحزاب سياسية فاعلة وذات قواعد شعبية على مستوى الوطن، فهو استمرار ائتلافات قائمة على بنية ضعيفة، لا تجمعها إلا النفعية السياسية الضيقة، وليس البرامج والفكر المشترك. وقد أدت مثل هذه الظروف، في دول أخرى، إلى إفراز حكومات غير مُمَثّلة وغير مستقرة، ونريد للأردن أن يتفادى مثل هذه الحالة لأن وطننا يستحق الأفضل دائماً.
إن التركيز يجب أن يوجّه، في المرحلة القادمة، نحو تطوير وتحفيز الأحزاب ذات البرامج والقواعد الشعبية على مستوى الوطن، بحيث يتوجه الناخبون للتصويت على أسس حزبية وبرامجية، وهذا الأمر يفرض على الأحزاب الأردنية تحديات ومسؤوليات جوهرية، وهي:
إنني آمل حقيقة بأن تتقدم عملية تشكيل الأحزاب وتتطور بأسرع وتيرة ممكنة خلال السنوات القادمة. وعليه، فإنني أشجع جميع أبناء وبنات الوطن على المشاركة في بناء نمط جديد من الأحزاب البرامجية المُمَثِّلة، والقائمة على قواعد شعبية واسعة من أجل مستقبل أفضل لنا جميعاً.
ثانياً، دور مجلس النواب:
يتمثل دور مجلس النواب الأساسي في تشريع قوانين ذات أولوية، يصب تنفيذها في خدمة مصالح وطنية عليا، وممارسة دوره في الرقابة على الحكومة ومساءلتها على ما تتخذه من قرارات. وبدوره، يخضع مجلس النواب لمساءلة المواطنين الذين انتخبوا أعضاءه، وهذا هو جوهر المسؤوليات التي على كل نائب النهوض بها، وفيما يلي تفصيلها:
وعليه، سأشجع جميع أعضاء مجلس النواب والكتل النيابية، خلال الأيام القادمة، وأحثهم على العمل الدؤوب والسريع، من أجل تطوير النظام الداخلي لمجلسهم، وبلورة مدونة سلوك ملزمة، تجسد هذه المبادئ وتترجمها عبر ممارسة فعلية ترتقي بأداء العمل النيابي.
ثالثاً، دور رئيس الوزراء ومجلس الوزراء:
يقع على عاتق الحكومة، بقيادة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، إعداد وتنفيذ برنامج عمل شامل يهدف إلى تحقيق الازدهار وتوفير الأمن لجميع أبناء وبنات الوطن. وعليه، يترتب على الحكومة تقديم برنامج عمل لمدة أربع سنوات إلى مجلس النواب، ليتم محاسبتها على مدى تنفيذها لهذا البرنامج.
إن تقدمّنا نحو مرحلة جديدة من تعميق نهج الحكومات البرلمانية يعني في الأساس تطور دور رئيس الوزراء والمهارات والخصال المطلوب توفرها في شخصيته. فبالإضافة إلى قدرته على قيادة فريق كفء من الوزراء، يعوّل عليه أيضاً في حشد كوادر وإمكانات الجهاز الحكومي لتنفيذ البرامج الحكومية بأسلوب فاعل ووفق جدول زمني دقيق متاح لاطلاع الجمهور. ويترتب عليه أيضاً مسؤولية التواصل والتفاعل والحوار مع سائر الأطراف، وفي مقدمتهم مجلس الأمة. وستسهم الخطوات التالية في تعميق المسؤوليات التي ينهض بها رئيس الوزراء ومجلس الوزراء:
رابعاً، دور الملكية:
إن أحد أهم مكونات عملية التطور السياسي هو ارتقاء دور الملكية الدستورية الهاشمية، والتي لن تحيد أبداً عن واجبها الرئيس، كما كان العهد دائماً، ذلك الدور المتمثل في العمل ليلاً نهاراً، وبتوفيق من الله، من أجل مستقبل مزهر للأردن والحفاظ على أمنه، واستقراره، ووحدته، وتأمين الأفضل دائماً لشعبنا النبيل. وفي ذات الوقت، فقد تطورت الملكية في الأردن بشكل مستمر يستجيب للظروف والمتغيرات وتطلعات شعبنا. ومع تطور ديمقراطيتنا وإنجاز المحطات والمتطلبات التي عرضتها آنفاً، فإن دور الملكية سيتطور أيضاً، وهو ما أنشده بقناعة راسخة ودافع ذاتي، بقدر ما يتطلبه تطور الملكيات الدستورية.
وسأعرض هنا مسؤوليات الملكية الرئيسة والضرورية خدمة للوطن والأمة:
إن مسؤوليات الملكية أخذت تتطور فعلاً في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي أرست أطراً جديدة لها، وهذا دليل على التقدم الذي نحرزه نحو تطّور الملكية. وقد هدفت هذه التعديلات إلى تطوير ديمقراطيتنا من خلال تمكين المواطنين من المشاركة الفاعلة في صناعة القرارات التي تمس حياتهم وتشكل مستقبلهم.
كما سيستمر دور الملكية في تشكيل الحكومات بالتطور بالتوازي مع نضوج نظامنا النيابي. ومن أبرز متطلبات هذا النضوج، التي أوضحتها في ورقتي النقاشية هذه وورقتي السابقة، هي: وجود أحزاب سياسية ذات برامج وسياسات وخطط تمكن الناخبين من الحكم عليها، وتكون قادرة على إنتاج مرشحين على مستوى عالٍ من الخبرة والتأهيل، يصلون إلى مجلس نواب قادر على إفراز حكومات برلمانية، يدعمها الجهاز الحكومي بسياسات مبنية على معلومات دقيقة ودراسات وافية وموضوعية، ووجود نظم عمل وهيكليات مناسبة لاتخاذ القرارات ضمن مجلس النواب، ويضاف إلى كل هذه المتطلبات مشاركة فاعلة من المواطنين.
وبالبناء على هذه الأسس لأنظمة الحكومات البرلمانية الفاعلة، سنتمكن من المضي نحو مرحلة يتولى فيها ائتلاف أحزاب الأغلبية في مجلس النواب تشكيل الحكومة. وعلى امتداد هذه العملية، سأحرص على المحافظة على الضمانات التي أوضحتها للتو، والتي تمثل مسؤولياتي، التي أتشرف بحملها، إزاء شعبي الأردني العزيز، خصوصا استمرار الملكية بالقيام بدور الحامي للدستور ومقومات الحياد الإيجابي والاستقرار والعدالة، التي أوضحتها في هذا الجزء من الورقة، والتي يجب تعزيزها وتجذيرها بالتوازي مع نضوج نظامنا النيابي، إضافة إلى دور الملكية لتجاوز حالات الاستعصاء السياسي بين مجالس النواب والحكومات، ومواجهة الحالات الاستثنائية التي تتطلب حماية أمن الوطن وسيادته ووحدته في حال تعرضه، لا قدّر الله، إلى تهديد حقيقي يمس قدرتنا على المضي بالأردن قدماً.
ولنتذكر أن نجاح هذه المعادلة مرهون بارتقاء جميع أطراف العملية الإصلاحية إلى مستوى متطلبات كل محطة إصلاحية، وأن يحققوا مستويات النضج السياسي الضروري، حتى لا يخذلوا الوطن والمواطن. وبهذه الطريقة، ومن خلال القنوات الدستورية، سنتمكن من تحقيق أعلى درجات التوافق الوطني الضروري لبناء المستقبل المشرق الذي يستحقه الجميع.
وعلينا جميعاً بالمحصلة أن نعمل بشكل جماعي من أجل إنجاز محطات الإصلاح التي تنتظرنا. وسأستمر بالقيام بدوري في تعزيز مستويات الوعي والمشاركة السياسية في مجتمعنا، وذلك عبر قيامي بدور الضامن لجهود الإصلاح الشامل، وتشجيع الحوار الهادف والبناء بين المواطنين، والمحافظة على استقرار الوطن وأمنه ومنجزاته.
إن رؤيتي لتطور الملكية مبنية على قناعة ذاتية راسخة، بدأتُ التعبير عنها منذ السنوات الأولى لتولي أمانة المسؤولية الدستورية. إنها رؤية جامعة، ولا تمثل انحيازاً لمطالب فئة سياسية ضد أخرى، فأنا أنحاز لمصلحة الأردن والأردنيين فقط. كما أن هذه الرؤية قد انطلقت مع جهود حثيثة من أجل تحقيق الإصلاح الشامل على مسارات متوازية، شملت مبادرات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تمكين الطبقة الوسطى وتوسيعها لأنها رافعة الإصلاح السياسي. وقد جاء الربيع العربي بتفاعلاته المحلية ليتيح لنا جميعاً الفرصة لاستنهاض الهمم الإصلاحية مجددا، وإطلاق موجة جديدة من الإصلاحات، والانطلاق نحو نهضة لا رجعة عنها. وهذا هو المستقبل الذي أنشده، مستقبل يحتضن الجميع، ويتسع للجميع، لا يُستثنى فيه أحد، ولا يحرم من مكتسبات الازدهار والأمن والإنجاز.
خامساً، دور المواطن:
إن دور المواطن، الذي يشكل اللبنة الأساسية في بناء نظامنا الديمقراطي، هو ما أود مناقشته في الجزء الأخير من هذه الورقة. فانخراط المواطنين في الحياة العامة ضروري من أجل تطوير نظام الأحزاب السياسية الفاعلة الذي نحتاجه. كما أن المواطنين هم أصحاب القول الفصل في إخضاع الحكومات للمساءلة، وذلك من خلال أصواتهم الانتخابية، ومستوى وعيهم، ومشاركتهم.
ويعتمد النهوض بهذه المسؤوليات الجوهرية على المبادئ الرئيسية الأربعة المتعلقة بالانخراط الديمقراطي، والتي أوضحتها في ورقتي النقاشية الأولى ، وهي: احترام جميع المواطنين لبعضهم البعض وليس فقط من تجمعهم معرفة سابقة أو اتفاق في الرأي، وممارسة المساءلة والمحاسبة الموضوعية من قبل الجميع وباتجاه الجميع، والحوار الصادق والمنفتح والبنّاء، والتوصل إلى حلول توافقية.
وعلينا جميعاً أن ندرك أن التصويت في الانتخابات هو جزء من هذا الدور، وأثني هنا على جهد كل من مارس هذا الحق الديمقراطي وعبّر عن نفسه وأسمع صوته في الانتخابات الأخيرة. وبالرغم من أن التصويت هو جزء محوري في العملية الإصلاحية، إلا أنه ليس نهاية المطاف. فإخضاع الحكومة ومجلس النواب للمساءلة يتطلب المشاركة القوية من قبل المواطنين في الشأن العام، من خلال ثلاثة محاور رئيسة، وهي:
كما يترتب على المواطنين في الوقت الراهن دور محوري في بناء مجتمع ديمقراطي سليم. وعلى جميع الأردنيين المبادرة للتعبير عن أصواتهم من خلال الأدوات المتاحة بين أيديهم، ومن أبرزها ممارسة واجبهم الانتخابي في المجالس النيابية والبلديات والنقابات والجامعات، وتأسيس التجمعات المحلية والجمعيات، وكتابة الرسائل والاعتراضات، والتدوين، والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
المستقبل أمامنا:
لقد شكلت انتخابات كانون الثاني الماضي خطوة جوهرية في مسيرتنا الوطنية المباركة، لكنها ليست نهاية المطاف. ومع إنجاز هذه الانتخابات، أتطلع للعمل معكم جميعاً مواطنين ومواطنات، حكومات ومجالس نيابية ومؤسسات مجتمع مدني، من أجل تحقيق مساعي الأردنيين لحياة كريمة وفرص أفضل. وسيكون تغيير نهج عمل مجلس النواب والحكومة، وفق ما أشرت إليه في هذه الورقة و خطاب العرش الأخير لافتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة السابع عشر ، الدور الأساسي على طريق التحول الديمقراطي والإصلاح الشامل. كما نريد الوصول إلى استقرار نيابي وحكومي يتيح العمل في مناخ إيجابي لأربع سنوات كاملة، طالما ظلت الحكومة تحظى بثقة مجلس النواب، وطالما حافظ المجلس على ثقة الشعب.
إنني على قناعة تامة بأننا سنتعاون فيما بيننا كشعب أردني واحد، عبر السنوات القادمة، وكما كنّا على الدوام، لنستفيد بشكل جماعي من تجاربنا، ونمضي في تطوير ديمقراطيتنا. كما أنني على ثقة بأن الوعي والحكمة والقدرة على العطاء، التي يتمتع بها الشعب الأردني، ستجعل من هذه الرحلة قصة نجاح.
لا شك أننا سنواجه تحديات كبيرة، وسنواجه في بعض الأحيان صعوبات جديدة وغير مألوفة، وهذا أمر متوقّع، لأننا نسعى لإنجاز ما هو جديد ومختلف من أجل مستقبل أفضل، لكنني على يقين بقدرتنا على تجاوز التحديات سوية، فالديمقراطية هي النظام الأقدر من أي نظام آخر على مواجهة مختلف التحديات، حين يكون لكل مواطن ومواطنة صوت يشارك به ودور يقوم به.