سَيدي صاحبَ الجلالةِ الهاشمية
الملكِ عبدالله الثاني ابن الحسينِ المعظم
سيّدي صاحب السمو الملكي
الأمير الحسين بن عبدالله الثاني وليّ العهد
حفظهُما اللهُ ورَعاهما،
السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته، وبَعد:
فَقد شرّفتُموني يا مولاي، وزُملائي وزَميلاتي أعضاءَ اللّجنةِ الملكيةِ لتحديثِ المنظومةِ السّياسيّة، بهذا التكليفِ السّامي، الذي يَعكسُ حِرصَ جلالتكمْ على استمرارِ عَجَلةِ التّنميةِ والتّطوّر، في وَطنِنا الحَبيب، نهجاً يَسيرُ عليهِ الهاشميّونَ، آلُ البيتِ الأطهار، على امتدادِ تاريخهم، فَمنْ عَهدِ جلالةِ الملكِ عبداللهِ الأول، الذي وَضَعَ أُسُسَ الدولةِ الأردنيةِ الحَديثة، وقانونِها الأساسي، ودستورِها الأول، إلى جَلالةِ الملكِ طلالٍ أبي الدستورِ المُعاصر، إلى جلالةِ الملكِ الحُسين، صانعِ ديمقراطيتنا الحَديثة، يَحمِلُنا الرّكبُ اليوم، لأن نقِفَ بين يَدي جلالتِكم، وما حَملهُ عهدُكم الزاهر، من مُنجزاتٍ ديمقراطيةٍ وسياسيةٍ كُبرى، ليسَ أقلُّها المحكمةَ الدستورية، والمحكمةَ الإدارية، والمركزَ الوطنيّ لحقوقِ الإنسان، وهيئةَ النزاهةِ ومكافحةِ الفساد، والهيئةَ المستقلةِ للانتخاب، وكلٌ منها منجزٌ بحدِ ذاته.
لكنّهُ كذلكَ يا مولاي، أمانةٌ ثقيلة، ويزدادُ ثِقلُها أمامَكم وأمامَ الوطن، بضمانَتِكُم للأردنيينَ والأردنيات، بتَـبَـني مُخرجاتِ عملِ هذه اللجنة، ودَفعِها إلى مَجلسِ الأمّة دونَ تَدخلٍ أو تأثير، وهذا ما يَدفعُـنا لأنْ نبذُلَ ما فوق الجُهدِ والطاقة، حتى نَتَمثّـل النهجَ الأردنيّ الهاشمي، ونكونَ مثالاً للعملِ المخلصِ والصادقِ والديمقراطي.
فلا مجالَ للخطأ، أمامَ هذا التكليفِ الثقيل، وهذهِ المسؤوليةِ الجَسيمة، التي نَتَحمّلُ مَغْـرَمها قبلَ مَغْـنَـمِها، أمامَ الأردنيينَ وأمامَ جلالتِكُم، وأمامَ التاريخ.
ونٌؤكّدُ للأردنيينَ والأردنيات، صِدْقَ النّوايا وإخلاصها، فلا توجيهاتَ مُسبقة، ولا ضُغوط ستؤثرُ على عملنا، ولا مشاريعَ جاهزةْ، سَتُسحبُ منَ الأدراج.
ونتعَهّدُ لكُم ولأهلِنا وبني وطننا، أن لا يَحكُم عَمَلَنا قناعاتٌ مُسبقة، ولا يُعيقهَ تخندقٌ وراءَ رأي، ولا يُقيّدهُ انغلاقٌ للعقولِ والقلوب، وأنْ نَضَعَ الأولوياتِ التي حددُتموها يا سيدي، نُصبَ أعُيننا، من أجلِ تهيئةِ البيئةِ التشريعيةِ والسياسية، ووضعِ قوانينَ انتخابٍ وأحزاب، وتوصياتٍ في مجالِ الإدارةِ المحلية، وما قد يحتاجهُ ذلكَ من تعديلاتٍ في النصوصِ الدستوريةِ وآلياتِ العملِ البرلمانيّ الضرورية.
ليضمنَ ذلكَ كلّه، أنْ تشهدَ السنواتُ القليلةُ القادمة، نقلةً ملموسةً في المشاركةِ السياسية، والحياةِ الحزبية، وتوسيعِ قاعدةِ المُشاركةِ الشعبيةِ في صُنعِ القرار، خاصةً في أوساطِ الشبابِ والنساءِ الأردنيات، كيفَ لا، ونحنُ دولةٌ فتية، يشكلُ الشبابُ الغالبيةَ منْ سُكانها، ما يَجعلهمْ المعيارَ والهدفَ الأولَ لكلِ عملٍ تنموي، فيما تُشكل النساءُ نصفَ المجتمع، وعَمودَه، في بلدٍ يضُمُّ أكثرَ من ربعِ مليونِ أسرةٍ تَرأسُها سيداتٌ نشميات، هنّ فيها الأبُ، والأمُ، والمربي، والمُعيل.
مولايَ المعظّم،
اليوم، يتجسّدُ حِرصُ جلالتكم على أنْ لا نَقِفَ عند أيّ نُقطة، ونعتَبرَ أنّ ما
تَحَقّقَ كافٍ، بل
تَـدفـَعُـنا كما فَعَلتَ دوماً، نحوَ مزيدٍ منَ الإنجاز، سَعيا وراءَ الأفضل، هذا
السّعيُ الذي جَعَلَ
بَلَدنا واسِطةَ العِقدِ في إقليمنا، ومثالاً يُحتذى لجوارنا، لذلك تُطالِبوننا يا سيدنا أنْ نَجعَلَ منَ العملِ الحزبّي ثقافةً
للمجتمع، ومن
الديمقراطيةِ
نهجاً للحياة، ومن المشاركةِ الشّعبيةِ في صُنعِ القرار، أساساً لعملِ السُّلطتينِ
التنفيذيةِ
والتشريعية.
لم يُـثْـنِكُم، ما يُحيطُ بوطننا من أزماتٍ لا تَنقطِع، ومُؤامراتٍ لم نَعرفْ يوماً أنها توقفت، منذُ نَشَأَ هذا البلدُ الصغيرُ بمساحتهِ وعددِ سكانه، الكبيرِ بأهلهِ و قيادته. ولا ثَـبّـطَ من عَزيمَتِكُم الظّرفُ الاقتصاديُ الخانق، في بلدٍ لم يعرفِ البحبوحةَ إلا سنواتٍ قليلة، على امتدادِ 100 عامٍ من عمره.
صاحبَ الجلالة،
نُعاهِدكُم ونُعاهِد الأردنيينَ والأردنيات كافة، أننا سنَبذُلُ قُصارى جُهدنا لتحقيقِ
رُؤاكُم الساميةِ
للتقدمِ والتحديث، مُهتدينَ بِخُلاصةِ فِكركُم التي قدمتُموها في الأوراقِ النقاشيّةِ
الملكية، التي
نَتَشرّفُ بالاسترشادِ بها، ويُعيننا في ذلكَ أيضاً، ما في تشكيلِ اللجنةِ وتركيبها من
تنوعٍ كبير،
وتمثيلٍ
يَعكسُ ثَراءَ مجتمعنا، وتركيبةَ الأردنيينَ الفكريةِ والثقافية، بكلِ أطيافهم
ومشارِبِهم. ولن نتردّدَ
في
أنْ نَستعينَ في عملنا بكلِ بيوتِ الخبرةِ الأردنية، وما سبقنا إليهِ إخوانُنا منِ
الباحثينَ والمختصينَ
والذواتِ الوطنيةِ المقدّرة، في هذا المجال.
لا منْ أجلِ تشريعاتٍ تضمنُ الوصولَ المتدّرجَ نحوَ الأهدافِ المنشودةِ فحسب، بل سعياً لتعزيزِ الروحِ الديمقراطيةِ في ثقافتنا، فالديمقراطيةُ ليستْ مُجردَ مشاركةٍ في انتخابات، أو انتماءً لحزب، بل هي مُمارسةٌ يومية، مبنيةٌ على الفهمِ الصحيحِ للحرية، وإدراكِ أنّ احترامَ رأي الآخرِ واختلافه، جزءٌ أصيلُ من احترامِ الفردِ لنفسهِ ومجتمعه، ومكوّناتِ ثقافته، وهي بدورها جزءٌ من منظومةٍ لا تقتصرُ على القوانين، بل هي نسيجٌ ثقافيٌ يساهم فيه، وقبلَ أيّ وكلّ شيء، البيتُ والمدرسةُ ومؤسساتُ المجتمع، ويقعُ العبئُ الأكبرُ منه، على كاهلِ الأبِ والأمِ والمعلّم، ورجالِ وعلماءِ الدين، والنُشطاءِ في ميادينِ العملِ العام.
أما التّغييرُ المطلوبُ من الجانبِ التشريعي، ومسؤوليةِ المؤسساتِ الرسميّة، فليسَ رهناً بقانونٍ واحد، بل هي حُزمةٌ تشريعيةٌ حيةٌ متطورة، تضمنُ التغييرَ المتدّرجَ والمُتناسبَ مع تطوّرِ المجتمع، واستشرافِ احتياجاتِه المستقبلية، وَسْطَ المنظومةِ السلوكيةِ والثقافيةِ الاجتماعية؛ وما عَملُ لجنتنا إلا جزءٌ من هذهِ الحُزمة، وتلكَ المنظومة، اللتانِ يحتاجُ نجاحُهما إلى اهتمامِ المواطنِ، ومتابعتهِ لهما، إيماناً بأهميةِ دورهِ فيهما، وحرصهِ على نجاحِهما، تأسيساً لثقةٍ غالية، ستكبرُ في النفوس، وتنتقلُ عبرَ الأجيال.
لذا، فإننا نُـوَجّهُ دعوةً صادقة، لكلّ مَنْ لديهِ أفكارٌ ومقترحاتٌ يمكنُ أن تخدمَ هذا الجُهدَ الوطني، وخاصةً من أبنائنا وإخواننا الشباب، وهُم مُمَثلون في لجنتنا، أن يُقدّمها لأيّ من أعضائِها، وسنعملُ على دراسةِ كلّ ما يَصِلُنا والاستفادةِ منه.
سيدي ومولاي،
إنّ الأردنيينَ شعبٌ حيٌ وواعٍ، ومن إيمانكُمْ بِهِم، وثِقَتهِم بكم، والتِفافِهمْ
حولكُم وحولَ الأسرةِ
الهاشمية، يأتي إيمانُنا بضرورةِ أن تكونَ نتائجُ عَملِنا لائقةً بشعبنا، وعلى
قَدرِ ثِقتكُم
بنا،
ليكونَ أولُ عهدِ الدولةِ الأردنيةِ في مئويّتها الثانية، منجزاً تشريعياً حداثياً،
يخطو بنا نحوَ حياةٍ
سياسيةٍ وبرلمانيةٍ وحزبيةٍ فاعلة، تُتوّجُ ببرلمانٍ قائمٍ على الكُتلِ والتياراتِ
البَرامجيّة، يَضمنُ
بدورهِ التقدمَ المنشودَ في أسلوبِ ممارسةِ السلطةِ التنفيذيةِ لمسؤوليّاتها، وبما
يُلبي طموحاتِ الوطن،
ويُعزِزَ صورَتهُ الديمقراطيةَ المشرقة، على الصعيدينِ الإقليميّ والعالمي.
ومن أهمّ خُطواتِ ذلك، بناءُ الثقةِ بالعملِ الحزبيّ البرامجي، القادرِ على إقناعِ المواطِنِ بِطروحاته، للوصولِ إلى برلمانٍ قائمٍ على الكتلِ والتيّاراتِ البرامجيّة، ما سيُعززُ الثقةَ بالسلطتينِ التنفيذيةِ والتشريعية، خاصةً عِندما نصلُ إلى برلماناتٍ حزبيةٍ برامجية.
إننا بِأَمسِّ الحاجةِ اليومَ لبناءِ أحزابٍ أردنيةٍ وطنية، كبيرةٍ وقوية، يحميها القانونُ وتَحميه، لها قلبٌ واحدٌ ينبضُ بحبِ الأردن، وعقلٌ يشتَـغـلُ بالتفكيرِ في رِفعتهِ ورِفعةِ شعبه، ويضَعُهما فوق كل اعتبار؛ تَستَمدُ شرعيّتَها من صُندوقِ الاقتراع، وقوّتَها ومكانَتها من إيمانِ الأردنيينَ بها وببرامِجها.
كما نَرجو الله، أنْ يُوفقنا إلى أوسَطِ السُبل، وخيرِ الصّيَغ، الضامِنةِ لزيادةِ الانخراطِ في العمليةِ النيابية، ترشحاً وانتخاباً، والنهوضِ بالإدارةِ المَحلية، لتعود إلى سِيرَتها الأولى، عملاً مؤسسياً ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، يشكلُ حواضِنَ لأجيالٍ منْ قياداتِ المستقبل؛ ما من شأنِهِ إعلاءُ قيمِ المواطنة، بناءً على مبادئ الدستور، وتحتَ مظلةِ سيادةِ القانون.
مولايَ المُفدى،
نُجددُ الفَخرَ والاعتزاز بكم، وندعو الله أنْ يزيدَ وطننا ازدهاراً في ظلّكم، ونضرعُ
لهُ جلّ في عُـلاه
أنْ يُديمَ عليكُم، وعلى وليّ عَهدكمْ سموَّ الأميرِ الحسين، حَفِظكما الله ورعاكما،
الصحةَ والعافيةَ
وسدادَ الرأي؛ مولايَ المُعظم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته